التسويق الهرمي

ما هو التسويق الهرمي؟ كلما كان من يحدثك عن ”فرصة ذهبية“ يتحدث أكثر عن ”البيع المباشر“ والتسويق المتعدد الطبقات، فهو أقرب إلى أن يكن أحد مخادعي المخطط الهرمي. من حيث المبدأ، لن تجد أي أحد يقول أنه يعمل ضمن مخطط تسويق هرمي، أو يصف شركته بهذا الاسم، فالتسويق الهرمي محظور تماماً في معظم البلدان والعبارة بحد ذاتها باتت مرتبطة بمعاني سلبية، بحيث كان من الضروري تمويهها إلى ”التسويق الشبكي“ أو ”التسويق متعدد الطبقات“ أو حتى ”البيع المباشر“ في بعض الحالات. ومع كون التسويق الهرمي هو عبارة لن تسمعها من أحد يحاول أن يعرض عليك فرصة مغرية، فالأفضل هو البحث في الإشارات التي تدل على كون الأمر تسويقاً هرمياً. أتت تسمية التسويق الهرمي من الآلية التي تمر عبرها الأرباح في هذا النوع من التسويق، ففي الأعلى يقع المؤسس وتحته طبقات متتالية ومتزايدة بأضعاف من السابقة لها، مع كون الترتيب الذي يجعل كل طبقة ضعف السابقة لها هو الأكثر انتشاراً عادة. والمبدأ الأساسي لهذا النوع من التسويق هو مبيع منتجات رخيصة للغاية ومجردة من أي قيمة فعلية بأضعاف سعرها الحقيقي كغطاء لما يمكن تسميته ”بيع الفرصة“، فشراء منتج من إحدى شركات التسويق الهرمي يتيح لك التسويق للمنتج المبالغ بسعره أصلاً وجني المال من العمولات. للوهلة الأولى يبدو الأمر بسيطاً جداً وبريئاً، فمبدأ البيع والتسويق مقابل عمولة هو مبدأ معروف كون العديد من الشركات تعتمده، لكن مبدأ التسويق الهرمي يختلف هنا بتحويل كل مشترٍ للمنتج إلى ما يشبه وكيلاً للبيع يقوم بالترويج للمنتج مجدداً، ومع كون الأرباح تأتيك سواء قمت بالتسويق بنفسك أو أن أحداً اشترى بواسطتك قام بالتسويق، فالأرباح المحتملة تبدو كبيرة جداً ومن الممكن أن تصل نظرياً لملايين الدولارات خلال وقت قصير من الزمن. آلية عمل التسويق الهرمي بالطبع فالعمولات لا تسير بهذه السلاسة عادة، بل هناك العديد من الشروط والعقبات أمام الحصول على العمولة، لكن الشكل بغرض التوضيح فقط. من حيث المبدأ لا يعتمد التسويق الهرمي على بيع المنتجات أصلاً، فغاية المشتري الأساسية ليست المنتج بحد ذاته (والذي عادة ما يكون منتجاً رخيصاً قيمته الحقيقية لا تتجاوز بضعة دولارات)، بل أن المشترين يقومون بالشراء طمعاً في القدرة على التسويق للمنتج مجدداً وجذب مسوقين جدد، فالأمر يدخل في حلقة مفرغة من الزبائن الذين يصبحون زبائن لرغبتهم في جذب المزيد من الزبائن. حتى هنا لا يختلف التسويق الهرمي عن المفهوم الأقل سمعة سيئة وهو التسويق الشبكي، لكن مع النظر بشكل أدق للأمر يظهر الاختلاف واضحاً. الطريقة الأساسية لجلب المال في التسويق الشبكي هي الاستمرار في جذب المزيد من الزبائن الجدد، وذلك للحصول على العمولات النسبية الصغيرة على المنتجات التي يشترونها، لكن في التسويق الهرمي لا حاجة حقيقية للاستمرار في جذب الزبائن، فطالما أنك تستطيع جني العمولات من الأشخاص الذين سوقت لهم ومن أي شخص تم التسويق له ضمن الشبكة أدناك فلا حاجة للاستمرار الفعلي بالتسويق حينها (شاهد الصورة أعلاه لتفهم آلية العمولات بشكل أوضح). في الواقع، الآلية الظاهرة في الصورة هي الشكل المبسط للحد الأقصى، فعادة ما تقوم الشركات بوضع قيود إضافية للعمولات كأن يكون هناك عدد محدد من المشتركين الجدد لتتمكن من قبض العمولة (مثلاً أن يكون المطلوب 4 مشتركين جدد لعمولة بقيمة 5 دولارات، بينما وجود 3 مشتركين جدد لا يعطي أي عمولة)، أو أن يشترط وجود مشتركين على طرفي المخطط أدناك لتقبض العمولة. هذه الشروط تستخدم عادة للحد من العمولات المدفوعة وإطالة أمد المخطط الهرمي للحد الأقصى، لكنها لا تكفي لاستقراره. من هم الأهداف المعتادون للتسويق الهرمي؟ يعاني الطلاب الجامعيون غالباً مالياً أو يقلقون من ناحية الحصول على فرصة عمل لاحقة، ومع طموحهم الكبير فتجنيدهم هو الأسهل عادة. على عكس معظم عمليات التسويق التي تستهدف الطبقات الأكثر ثراء كونهم أكثر قدرة على الدفع والشراء عادة، فالأمور معكوسة هنا حيث يستهدف التسويق الهرمي الطبقات الأدنى والفقراء بالدرجة الأولى، سواء كانوا العاطلين عن العمل أو المنتمين إلى طبقات معدمة مادياً، وبالدرجة الأولى ربما يتم استهداف الشباب أثناء دراستهم الجامعية وبالأخص في حال كانوا يحاولون إعالة أنفسهم أثناء دراستهم، أو أن عائلاتهم ليست ثرية كفاية لتوفير دخل كبير لهم أثناء الدراسة. بالطبع تبدو آلية استهداف التسويق الهرمي للأشخاص الأفقر غريبة كون الحصول على المال منهم أصعب، لكن عند التفكير بالأمر يكون من الواضح أنه منطقي مع كون السلعة الخاصة بالتسويق الهرمي هي الأمل (بينما المنتج موجود فقط كتمويه لا أكثر) فالجمهور الأنسب له هم الأشخاص الذين يعانون مالياً ولديهم محفز كبير جداً للاستقلال المالي وتحقيق الدخل الكبير. في هذه الحالات من غير المهم إن كان المستهدفون بالتسويق فقراء، فكلما كانوا يعانون من المشاكل المالية بشكل أكبر، فهم يمتلكون حوافز أشد لتأمين المال اللازم للدخول وتحقيق الأرباح. كيف يتم الترويج للتسويق الهرمي؟ استخدام الذم والتعيير بعدم جني المال والقدرة على إعالة النفس هي الجزء الأول، ومن ثم ينتقل الأمر لشرح الإمكانيات المالية الكبيرة للمشترك. في حال كنت شاهدت الإعلانات التلفزيونية الطويلة لمستحضرات التنحيف أو الآلات الرياضية الغريبة وأدوات المطبخ، فأنت تعرف الأسلوب المعتاد الذي يستخدم عبارات مثل ”هل مللت من كذا“ و”هل تعاني من كذا“ وسواها، هذا الأسلوب بالتحديد هو الأكثر استخداماً لهذا النوع من التسويق مع تعديلات بسيطة، فبدلاً من ”هل تعبت من تقطيع الخضروات“ تكون العبارات من نوع ”هل تعبت من العمل المجهد دون مردود مالي“، وبدلاً من ”هل تشعر بالخجل عند التعليق على وزنك الزائد“ تكون العبارة ”هل تشعر بالخجل من ديونك التي لا تستطيع تسديدها“. الأمر الأساسي في التسويق هنا هو اللعب على النواحي غير الآمنة من شخصية الزبون المحتمل، فبالنسبة للشباب الجامعيين فهم يحتاجون بشدة لأي فرصة تتيح لهم الاستقلال المادي عن عائلاتهم، وبالنسبة للفقراء عموماً فالعديد من الأمور الناقصة من حياتهم تعد أهدافاً محتملة للتسويق. لذا تُستخدم أساليب الإحراج أولاً مثل التلميح إلى كون الاعتماد المادي على الوالدي أمراً معيباً لشاب في العشرين من عمره، أو كون عدم القدرة على شراء الملابس والحلي هو أمر محرج لأي فتاة (هذا مجرد مثال فقط، فالتركيز يتم على النقاط غير الآمنة مهما كانت وبغض النظر عن طبيعتها). بالطبع فإحراج الزبون المحتمل وجعله يشعر بالأسى لحالته غير كافٍ تماماً، فالإحراج والتركيز على نقاط الضعف لن يفيد سوى في زيادة الكآبة، لذا فالمرحلة الثانية هي مرحلة رفع المعنويات والحديث عن الإمكانيات اللامحدودة والميزات الهائلة، في هذا الجزء يذكر المنتج وبعض المعلومات المزيفة عنه، مثل ساعة رخيصة يقال أنها مطلية بالذهب، أو قلادة تحتوي على ”حجر بركاني نادر“ والعديد من المنتجات المحتملة الأخرى والتي عادة ما تكون رخيصة كفاية بحيث تكلف أقل من دولار واحد بسعر الجملة، لكن تباع بأكثر من مئة دولار كونها تسمح للزبون بأن يتحول لـ”وكيل حر“ للشركة. المرحلة الأخيرة هي شرح آلية عمل المخطط وكيفية جني الأرباح، ومع كون هذا الجزء هو أصل المشكلة واعتبار التسويق الهرمي خدعة، يتم التركيز على الشرح بشكل بسيط قدر الإمكان مع وصف المبالغ الممكن جنيها بسهولة كبيرة، فمن حيث المبدأ حتى مع أقل نسب الأرباح من الممكن تحقيق أموال طائلة إذا جرت الأمور بأن تقوم بالتسويق لشخصين وكل منهما يسوق لشخصين وهكذا، فخلال أشهر من الممكن أن تصبح من أصحاب الملايين (على الورق بالطبع).

تعليقات

المشاركات الشائعة